عاممقال رئيس التحرير

نبيل فكري يكتب: الياباني «أبو جريدة نخل» .. ومعارض «القصاري» و«أشجار الفيكس» !

قبل أن نختلف أو تهاجمني أو تدَّعي أنني صاحب مصلحة، أو أنني مثلاً «والعياذ بالله» كنت «طمعان» في ندوة أو قراءة لكتاب من كتبي، أُشهد الله أنني «باتشعبط» في أي حاجة حلوة، وباتباهى إن في بلدي دمنهور أوبرا، وفيها كورنيش جميل، وفيها معرض كتاب، وفيها «كارفور صغير»، وفيها نادي شكله حلو دلوقتي، وفيها شارع عبدالسلام الشاذلي رغم كل شيء أحسن من شوارع كتير .. السبب إنها بلدي .. إني عايش فيها .. إن لما حد يزورني، يقول: «والله بلدكم حلوة».

معرض الكتاب بدمنهور أوشك على النهاية، ومن أول يوم للحظة، كنا في «alkhbrlive» حريصين على تغطيته، سواء كتابة أو «لايفات» أو فيديوهات، وأرسلنا فريقاً من هنا كان في المعرض يومياً، لكن علينا أن نعترف أن المعرض ليس كما بدأ.. ليس كدورته الأولى، وهذا ما يزعجني أو إن شئت الدقة «يحزنني».

أعلم أن المسؤولية كبيرة، لكني من أشد المتمسكين بالتخصص والعمل ليل نهار ليخرج المنتج أو الفعالية في أبهى صورة .. لو ندوة واحدة مُرتب لها جيداً أفضل من عشر، وهكذا، وللحق أيضاً كانت هناك ندوات وفعاليات كثيرة جيدة، وأخرى شهدت إقبالاً يعكس قيمة من فيها ومن دعا ليها.

الشاهد .. أمس، كانت فعاليات اليوم الياباني في المعرض، وبصراحة شدتني الفكرة .. فرحت وتفاءلت و«اتمنظرت»، قبل أن تصدمني مشاهد هذه الفعالية، التي اختزلها وجه شاب «المفروض إنه ساموراي ياباني» على وجهه غطاء النحالين «اللي المفروض هي قبعة البرازيليين»، وفي يده «جريدة نخل» يهش بها على غنمه اليابانية، مدعياً أنه سيف الساموراي، أو الأخير من نسل «الرونين»، يرتدي جلابية راقصي التنورة، ويلبس كوتشي مقاس 46، طبعاً بخلاف بقية المشاهد اليابانية، التي صنعناها على الطريقة «البنهاوية».

هذا الاختزال السيء والمتعجل والركيك، أعاد للذهن تلك المشاهد العبثية من فعاليات ومعارض ننظمها فتسيء إلينا، ولا تضيف إلا السخط والضحك و«التريقة»، مثل «معارض الزهور»، في دمنهور وكفر الدوار، التي افتتحها محافظون، لم يجدوا غضاضة في أن يتجولوا بين عدد من «قصاري الزرع» وأكوام الكرنب ونباتات الخص والفجل الرومي «وذلك من قبيل المبالغة القريبة من الواقع».

يحدث ذلك عندنا، والعالم القريب حولنا، يبهرنا كل يوم .. يتقدم للأمام .. يتعلم من تجارب غيره .. في السعودية أصبحت الطائف جنة غنَّاء، ومهرجان الزهور فيها يسر أنظار العالم، وفي «أبها» وفي الكثير من المدن، وفي الإمارات كذلك ينظمون معارض وفعاليات مبهرة، حتى لو كانت في أماكن نائية، فليست كل الإمارات أبوظبي ودبي، هناك رأس الخيمة وأم القيوين وعجمان، التي من المفترض أن مدينة كدمنهور مثلاً تفوقها تاريخاً وإمكانيات وبنية ورؤية، لكنهم هناك يخططون كثيراً ويفكرون كثيراً، فإذا فعلوا أبدعوا.

لن أقارن مثلاً ببلد كاليابان، ومهرجان «الكرز» فيها وشوارعها التي يغطيها اللون الأبيض، بينما شوارعنا يغطيها التراب، وإن صادفت شجرة مارقة هنا أو هناك أو باقية من شجر «النادي» فهي إما شجرة «بزروميا» أو «الفيكس» أو ذلك النخيل العقيم.

أدري أن «النقلة» من معرض الكتاب إلى معارض الزهور تبدو غير مبررة، لكنني أتحدث عموماً عن ذلك الارتجال الذي قد يحول نوايانا الجميلة إلى واقع غير جميل.

وطالما أنني ابتعدت على كل حال، وبمناسبة معارض الزهور ومدن الزهور، وشوارعنا القاحلة المُتربة وأرصفتنا الإسمنتية الكالحة العالية التي لا يستطيع أن يعبرها مُسنٌ وربما ولا شاب، قرأت مؤخراً دراسة دانماركية عن أثر نشأة الأطفال في وسط أخضر على عدم تعرضهم لإصابات نفسية، يقصدون الحدائق والمتنزهات التي نراها هنا في الأفلام فقط.

أيضاً، دراسة أخرى من شيكاغو بأمريكا أكدت أن الأشجار والنباتات الخضراء عموماً تؤثر إيجاباً في جسم الإنسان، صحياً ونفسياً (وأضيف أنا وثقافياً واجتماعياً وسياسياً).

الخبراء في الدراسة، ينصحون بضرورة التجوال بين الأشجار كلما سنحت الفرصة لذلك، ليكسب الشخص طاقة جديدة إيجابية ويحسن صحته ومزاجه، ودراسة أخرى حديثة حددت مساحات بالأمتار لا يجب أن يتجاوزها الإنسان بينه وبين الأشجار، وليست الكيلومترات التي تفصلنا عن الخضرة، وربما تكون سبباً رئيسياً في الاكتئاب الذي أصاب سكان غابات الإسمنت.

ما العلاقة بين المعرض وبين الزهور، وبين الأشجار .. شخصياً أراها وثيقة .. هذا الموظف الذي اختزل اليابان في «خيال المآتة» المضحك .. هو ذاته الذي نظم معرض «القلل القناوي» والقصاري، مدعياً أنه معرض زهور .. هو الثالث الذي اقتلع الأشجار، وغير الرصيف بداعي التطوير .. الموظفون بلا رؤية ولا خيال ولا ضمير أكبر عبء على الوطن.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى